موقع المستقلين الاحوازيين
فيلق القدس ومآلات القضية الفلسطينية في إيران



اخذ فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اسمه من مدينة القدس المحتلة والمقدسة لدى العرب والمسلمين. ويثير اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد هذا الفيلق في بغداد، السؤال عن دور هذا الفيلق في ما يعلنه النظام الإيراني بشأن تحرير القدس وفلسطين بشكل عام. هل هذا الفيلق حقا عمل من اجل تحقيق هذا الغرض وماذا كسب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية منه منذ نشأته وحتى الان؟

فرغم اعتراف شاه إيران السابق باسرائيل بعد تأسيسها في العام ١٩٤٨ بصورة فعلية Defacto غير ان محمد مصدق رئيس وزراء إيران انذاك عارض سياسات الشاه في هذا المجال لكن دون جدوى. ولقد استمر الشعب الإيراني بمعظمه معارضا لإسرائيل ومتعاطفا مع الشعب الفلسطيني حتى قيام الثورة الاسلامية في العام ١٩٧٩. اذ كانت الساحة الثقافية والجامعات والمساجد مظهرا لهذا التعاطف، بل وصل الامر الى حد ان المنظمات اليسارية والاسلامية المعارضة لحكم الشاه في السبعينيات من القرن الماضي اخذت تبعث عناصرها للتدريب في المعسكرات الفلسطينية في الاردن ولبنان لتعود وتناضل ضد الحكم الملكي في إيران.

وبعيد قيام الثورة بايام زار رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات طهران والأهواز وكان اول قائد سياسي اجنبي يزور ايران الثورية. غير ان شهر العسل الأيراني – الفلسطيني لم يدم طويلا وتدهورت العلاقات بين الجانبين بعد ان وقف عرفات مع الرئيس العراقي صدام حسين خلال الحرب الإيرانية – العراقية (١٩٨٠-١٩٨٨). كما تم خلال هذه الفترة التخلص من القوى السياسية المختلفة والمشاركة في الثورة مما ادى الى احتكار السلطة بواسطة رجال الدين المتشددين. وقد أُنشئ فيلق القدس خلال السنوات الاولى من تلك الحرب تنفيذا لما جاء في الدستور الإيراني. وتفتح المادتين ٣ و١٥٢من دستور الجمهورية الاسلامية الإيرانية شهية الحكام بالتدخل في شؤون الدول الاخري. اذ تنص المادة ١٥٢ ان

” ايران تدعم النضال المحق للمستضعفين ضد المستكبرين في كل انحاءالعالم”. وقد  سمحت طهران لنف وبهذه الحجة ان تتدخل في شؤون الدول الاخرى وخاصة الدول المجاورة. كما اكد في العقد الاول من عمر الثورة، روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية على ضرورة “تصدير الثورة” رغم معارضة بعض اركان النظام مثل هاشمي رفسنجاني لتلك التصريحات.

وفيما يخص القدس وفلسطين، اقترح اية الله حسين علي منتظري قائم مقام الخميني في العام ١٩٨٠ ان تُسمى اخر جمعة من شهر رمضان من كل عام باسم “يوم القدس” وقد رحبت القوى السياسية المحبة للقضية الفلسطينية انذاك بهذا الامر. غير ان خلع المنتظري – كوجه معتدل وغير عنيف للنظام – واحتكار المتشددين للقضية الفلسطينية والقطيعة مع الفصائل اليسارية ومنظمة التحرير الفلسطينية والمجاهرة بالعداء لها ادى الى ابتعاد الجماهير الإيرانية من هذه القضية رويدا رويدا. بل وحتى اليسار الإيراني الذي كان يدافع بشراسة عن القضية الفلسطينية لم يبد حماسا في هذا المجال. وقد اكد احد قادة هذا اليسار في الداخل لي قبل سنوات ان الحكومة الإيرانية رفضت عدة مرات السماح لهم بالاجتماع في حرم جامعة طهران بمناسبات مختلفة للاحتفاء بالقضية الفلسطينية منها طلبهم لإقامة تأبين للراحل ياسر عرفات في نوفمبر ٢٠٠٤، بل وهددتم بالاعتقال اذا قاموا بذلك.

وقد تحولت المظاهرات المليونية المؤيدة للقضية الفلسطينية في الاعوام الاولى للثورة الى مظاهرات شكلية وظيفية خلال الاعوام العشرين المنصرمة لايشارك فيها الا الفئات القليلة المؤيدة للنظام الديني والمستفيدة منه، وقد أُفرغت بذلك القضية الفلسطينية عن مضمونها العادل والانساني لتصبح اكليشة مملة تتكرر كل جمعة في اخر شهر رمضان من كل عام او في مناسبات اخرى.

فالظاهرة الاخرى في هذا المجال هي فيلق القدس والذي كان من المؤمل ان يقوم بتحرير القدس او على الاقل ان يعد العدة والعتاد لهذا الهدف، غير انه تحول الى اداة لتنفيذ الخطط التوسعية لما اصفها بالامبريالية الفارسية الاقليمية.

وقد تسلم فيلق القدس ملف شمال العراق بعد ان اعلنت ادارة الرئيس الاسبق جورج بوش الأب، كردستان منطقة ممنوعة للطيران العراقي داعما بذلك الكرد امام جيش صدام حسين. كما انه – اي فيلق القدس – قام بدعم الزعيم الافغاني احمد شاه مسعود في حرب افغانستان، ومن ثم مواجهة حركة طالبان، غيران الحركة اصبحت بعد سقوطها من الحكم حليفا للنظام الإيراني في افغانستان. وقد اتسعت صلاحيات هذا الفيلق بعد الغزو الاميركي للعراق في العام ٢٠٠٣ لتشمل كل العراق. كما نعرف جميعا دوره في لبنان واليمن وسورية، بل وتجاوز نفوذ فيلق القدس المنطقة ليصل الى افريقيا واميركا اللاتينية والتعامل مع عصابات الإجرام والمخدرات.

داخليا، وفي يوليو من العام ١٩٩٩ نشر قادة الحرس الثوري – بما فيهم الجنرال قاسم سليماني – رسالة تهديد موجهة للرئيس الايراني محمد خاتمي منددين بسياساته الاصلاحية ومطالبين بسحق الانتفاضة الطلابية التي اندلعت في طهران وبلغت ابواب بيت المرشد علي خامنئي.

كما شاركت قوات تابعة للحرس الثوري الايراني وبمباركة من قاسم سليماني في قمع الانتفاضة الخضراء في العام ٢٠٠٩ والتي اندلعت بسبب التلاعب بالاصوات لصالح المرشح المتشدد والمقرب للمرشد الاعلى، محمود احمدي نجاد وحذف المرشح الاصلاحي ميرحسين موسوي، قُتل فيها عشرات الاشخاص وسُجن المئات. ولأول مرة في تلك المظاهرات التي استمرت عدة ايام ردد المتظاهرون هتاف ” لاغزة ولا لبنان، روحي فداك يا إيران”. وقد تكرر هذا الهتاف القومي في انتفاضتي ديسمبر ٢٠١٧ ونوفمبر ٢٠١٩. ويعبر هذا الهتاف عن استياء كبير لفئات واسعة للجماهير الإيرانية من سياسات فيلق القدس الداعمة ماليا ومعنويا لحركتي حماس والجهاد الاسلامي في غزة ولحزب الله في لبنان. كما رددوا هتاف ” دعنا من سورية، وفكر باحوالنا” مخاطبين بذلك المرشد علي خامنئي. ويعتير هذا الهتاف مخالفة صريحة للدعم الاقتصادي والعسكري الذي يقدمه النظام الإيراني الى نظام بشار الاسد في سورية.

كما ان بعض النخب والفئات الاجتماعية في إيران تنظر بعدم الرضى لما تقوم به السلطات الإيرانية من دعم لفصائل اسلامية متشددة دون اخرى يسارية ولبرالية كمنظمة التحرير الفلسطينية والجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، وتعتبر ذلك تدخلا سافرا في شؤون الشعب الفلسطيني وغرس الفرقة بين الفلسطينيين. تلك الشعارات والهتافات الجماهيرية والاداء السياسي والعسكري لفيلق القدس حولت فئات واسعة من الشعوب الأيرانية من مناصرين للقضية الفلسطينية الى معارضين لها، إن لم نقل معادين.

فما قام به النظام الإيراني – و خاصة فيلق القدس – باسم الدفاع عن القضية الفلسطينية اصبح وبالا على هذه القضية وحول العديد من الإيرانيين الذين كانوا في عهد الشاه مستعدين للتضحية بانفسهم من اجل القضية الفلسطينية – وقُتل بالفعل العشرات منهم في الاردن ولبنان بل وفي داخل اسرائيل – الى غيرمبالين ازاءها في عهد الجمهورية الاسلامية، بل واصبحت فئات إيرانية في الداخل والخارج تتعاطف مع اسرائيل. وكل هذا يُعد تداعيات لدفاع نظام دموي شمولي عن فصائل متشددة شمولية مثله في فلسطين باسم الدفاع عن فلسطين، فلذا لانرى حاليا ذلك الحماس الذي كان سائدا بين الإيرانيين في عهد الشاه، بل انقلبت الامور رأسا على عقب. فالامر لايقتصر على الفرس بل وحتى بعض العرب في أيران اخذوا يتململون من سياسات النظام الإيراني في هذا المجال، وهو الذي يتبجح بدعم الشعب العربي الفلسطيني فيما يقمع الشعب العربي الأهوازي ويحرمه من كافة حقوقه الانسانية والقومية ويقوم بعمليات تطهير عرقي ضده.

وفي النهاية تبقى القضية الفلسطينية، قضية انسانية قومية عربية لايمكن للضمائر الحية والطامحة للحق والعدل – وخاصة العرب – في إيران التغاضي عنها. ويبدو لي ان القضية ستحتل مكانها الطبيعي عندما يكون هناك حكم ديمقراطي في إيران.


يوسف عزيزي

 السبت 4 يناير 2020

لمتابعة موقع السيد يوسف عزيزي بني طرف فضلا إضغط على الرابط أدناه :

http://yousefazizi.com/?p=6372 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.