المحاضرة الثانية : الاحواز خلال حكم السيد سلمان بن سلطان الكعبي ( 1737 – 1767 )
لقد كانت إمارة بني كعب أبرز تلك القوى العربية لما أدته من ادوار تجارية وسياسية وعسكرية ( بحرية ) متميزة في تاريخ الخليج العربي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر التي عبرت عن الشخصية العربية التي تحدت كل القوى الاجنبية من فرس وعثمانيين وانكليز ، وترجع تسمية الامارة بهذا الاسم إلى بني كعب الذين يرجعون في أصلهم إلى نجد وقد توجهوا إلى الجزء الجنبوي الغربي من حوض نره الكارون ، واستقروا في نهاية القرن السادس عشر بمنطقة تعرف باسم قبان ، وقفت قبائل كعب العربية ضد الغزو الفارسي لاحتلال البصرة عام 1629 وتمكنت من انتزاعها من حكم أسرة أفرا سياب ومنح شيخ كعب مكافأة على تحرير بعض الجزر منهم الواقعة عند مصب شط العرب .
أخذ نفوذ بني كعب يتوسع ونمو سريعا في القرن الثامن عشر واستطاع الكعبيون وسط الصراع الناشئ في المنطقة بين الفرس والعثمانيين دون أن يخضعوا لنفوذ أي منهم وان موقع ممتلكات كعب على شط العرب والخليج العربي دفع شيوخعا إلى بناء أسطول بحري كبير اعتمدوا عليه في دعم استقلال إمارتهم وأصبحوا سادة الخليج العربي في قسمه الشمالي ،وأول امراء هذه الإمارة علي بن ناصر بن محمد الذي تولى الحكم في عام 1690 وهو مؤسس هذه الإمارة ، وبدخول بني كعب إلى الفلاحية بدأت إمارة المشعشعين بالزوال بعد حكم دام عدة قرون .
وقد برز من زعماء كعب الشيخ سلمان بن سلطان الكعبي ( 1737 – 1768 ) الذي يعدّ من أبرز من تولى إمارة الاحواز في القرن الثامن عشر وكان قائدا شجاعا وذا فكر ثاقب ووصلت شهرته إلى اوربا ، نتيجة لصراعه مع الانكليز واستيلائه على بعض سفن شركة الهند الشرقية الانكليزية ومهاجمته سفنهم حتى أجبروهم على دفع رسوم المرور وحتى شط العرب وقد استطاع بناء اسطول عربي يعد من الاساطيل القوية في الخليج العربي ، قال الرحالة الدانماركي نيبور عن اسطوله : (( بأنه بنى سفنا صغيرة ، واستخدم السفن الاخرى للقبائل وفي عام 1758 بنى غلافته الأولى ، وفي 1765 كان لديه (10) غلافات إضافة إلى (70 ) سفينة أخرى . ))
استفاد الشيخ سلمان من الفوضى التي عمت فارس بعد مقتل نادر شاه عام 1747 لتقوية دولته فقضى على الافشار في الدورق وسماها الفلاحية ، واتخذ منها مقرا ثانيا له ، ومد صلته إلى الصفة اليمنى من شط العرب ، واستولى على جزر البصرة الواقعة في شط العرب وخلال سنوات قليلة شملت إمارته الاحواز كلها واصبحت تمتد على شكل مثلث رؤوسه بوبيان وهندبان والاحواز .
وكانت الاماكن التي استولى عليها الشيخ سلمان يتنازعها العثمانيون والفرس فادعى كل منهما حق السيادة عليها ، لكن الشيخ سلمان نجح في الحفاظ على استقلال بني كعب دون ان يدفع الجزية لأي من الطرفين لأنه لم يحترمهما .
إن تزايد قوة الشيخ سلمان وامتداد سيطرة كعب إلى الأنهار الصالحة للملاحة جعل العثمانيين والفرس يتضايفون من القوة التي أصبحت عليها كعب ، وان الانجليز كانوا يرون في قوة كعب تهديدا لمصالحهم التجارية في الخليج العربي لذا فقد شاركوا العثمانيين في غزوهم لكعب .
وقد أثار نمو إمارة كعب تحت حكم سلمان حسد الشاه الفارسي كريم خان فقاد هجوما على بني كعب عام 1757 من أجل إضعاف النفوذ العربي في الاحواز ، غير ان الاضطرابات في فارس ومقاومة عرب الاحواز أجبرته على الانسحاب .
ولم تقتصر مقاومة الشيخ سلمان على الفرس بل حاربه العثمانيون أيضا لشعورهم بالضعف امامه لانه يدفع الرسوم التي كان يدفعها أمراء المنطقة من قبل وقد هددهم بالسيادة على شط العرب وكانت الغزوة العثمانية الأولى عام 1761 واشتركت سفن شركة الهند الشرقية الانكليزية مع السفن العثمانية في مهاجمة السفن الكعبية المسلحة ، ويبدو أن الشيخ سلمان أبدى شجاعة كبيرة في مواجهة أساطيل المتحالفين ، ويذكر وكيل شركة الهند الشرقية الفرنسية في البصرة بأنه ( دمر العديد من السفن الانكليزية والعثمانية ) مما اضطرهم إلى التراجع أمامه .
وامام تصاعد قوة كعب وازدهارها اتفقت مصالح الفرس والعثمانيين على التهلص منها وكانت مصالح انكلترا أيضا تتعارض مع توسع نفوذ كعب وبهذا وجد منها الفرس والعثمانيون حليفا يلجأون اليه لمساعدتهم عند غزوهم لكعب ، وفي عام 1765 أبدى كريم خان رغبته بشن هجوم مشترك ضد كعب فوافقه العثمانيون على فكرته وهكذا تحركت قوات فارسية كبيرة بقيادة كريم باتجاه الاحواز وأقامت معسكرها في الفلاحية وهي تنتظر وصول القوات العثمانية من البصرة للمشاركة في عملية الغزو وفي المقابل انسحب الشيخ سلمان بقواته واتخذ مواقع دفاعية على طول الحفار وشط العرب ، وبعد انتظار طويل لم يرسل متسلم البصرة القوات الموعودة مبررا ذلك بعدم وصول السفن التي يطلبها من بغداد .
إن عدم وصول المساعدة العثمانية والانكليزية واحتماء الشيخ سلمان بمناطق الاحواز والجزر جعل كريم خان لا يتمكن من اللحاق به ومنازلته بسبب فقدان وسائل المواصلات فاضطر إلى الانسحاب ، ولكن بعد ان خرب السدود ومشاريع الري التي بناها العرب على نهر الكارون .
وأعقب الهجوم الفارسي هجوم عثماني على كعب في مايس 1765 بمساعدة انكليزية واستطاع الاسطول الكعبي الاستيلاء على عدد من السفن العثمانية مما اضطر العثمانيين بعدها الانسحاب إلى البصرة .
ويبدو أن الشيخ سلمان يريد الانتقام من الانكليز لمساعدتهم الفرس والعثمانيين فهاجمت غلافاته سفينتين انكليزيتين تابعتين لشركة الهند الشرقية الانكليزية قادمتين من البنغال في شط العرب زورق صغير في البصرة .
طلب الانكليز إلى متسلم البصرة تعويضهم عن السفن التي استولت عليها امارة كعب فلم يحصلوا على أية نتيجة ، فاتفق الطرفان على توجيه قوات مشتركة لتدمير أسطول الشيخ سلمان وفي عام 1766 أرسلت الشركة الهند الشرقية الانكليزية ست سفن مع 700 إلى 800 جندي للانتقام بما لحق بها من إهانة ، ووصلت القوة البحرية البريطانية في 10 اذار 1766 ولم ترهب تلك القوة الشيخ سلمان الذي رفض الرضوخ للتهديد الانكليزي العثماني .
وبدأت الحرب بين الانكليز والعثمانيين من جهة وإمارة بني كعب من جهة أخرى ، وبالرغم من العمليات المشتركة الانكليزية العثمانية ضد كعب خلال أشهر صيف عام 1766 ، فإن بني كعب تمكنوا من إفشال الغزو الانكليزي العثماني مما اجبر القوات العثمانية على الانسحاب بينما ضرب الانكليز حصارا بحريا على كعب استمر سنتين 1766- 1768 اضطروا في نهايته إلى رفع الحصار بعد تعهد باشا بغداد لتحمل كافة نفقات الاسطول .
وقد ساعد هذا الانتصار إمارة كعب العربية على ان تمد سيطرتها على معظم مناطق الاحواز بعد أن تمكن من صد ومقاومة كل الغزوات الاجنبية من فارسية وعثمانية وانكليزية ، سواء كانت تلك القوى قد هاجمتها منفردة أو مجتمعة وبخاصة نجاحها في إحباط مشاريع كريم خان التوسعية وتحركه على الصعيدين السياسي والعسكري .
وهكذا ظلت إمارة كعب العربية حتى بعد وفاة الشيخ سلمان عام 1668 قوية وقادرة على مواجهة القوى الطامعة في أراضيها ، لذا عمد كريم خان إلى مهادنة الكعبيين ومحالفتهم وذلك لتجنب قوتهم ، وتكمن القوة السياسية لهذا التحالف في ان دولة فارس اعترفت فعليا بتلك القوى العربية وسيادتها على المنطقة بعدما عجزت عن إخضاعها ( ولا يمكن في العرف السياسي ومكانته ) ومنذ مطلع القرن الثامن عشر يبدو ان طاقات كعب توجهت بشكل رئيس إلى النشاط الاقتصادي فاهتموا بمزارعهم وأراضيهم .
الكلية كلية التربية للعلوم الانسانية القسم قسم التاريخ المرحلة الثالثة , أستاذ المادة فؤاد طارق كاظم العميدي 6/28/2011 8:42:52 AM
لمتابعة المصدر للنشر فضلا اضغط على الرابط في الأسفل :
http://www.uobabylon.edu.iq/uobColeges/lecture.aspx?fid=10&depid=5&lcid=20332